الأربعاء، ١٥ أغسطس ٢٠٠٧

الاسلام

الاسلام الشعبى والاسلام الحضارى

ومن مظاهر (الإسلام الشعبي) إلغاء العقل تماماً أو تهميشه واعتماد النمطية في التفكير وإصدار الأحكام واتخاذ القرارات وجعل استخدام العقل الذي جاء الإسلام لتكريمه خطيئة تستلزم الاستغفارالنسخة الشعبية من كل شيء تكون غالباً أرخص سعراً وفي متناول الجميع إلا أنها بنيت واستقرت أساسا على مبدأ ضعف الجودة وزيادة الإنتاج ونحن نرى الأسواق تمتلئ بهذا النوع من السلع يومياً। ولكن أن نرى العقول تمتلئ بنسخ شعبية من أفكار ونظريات ومبادئ فهذا مالا يعلمه ولا يصدقه كثيرٌ من الناس। وواقعنا يشهد شهادة سالمة من الجرح أن عقولنا عامرة بكثير من النسخة الشعبية لكثير من الأفكار وهي نسخ مبتسرة ومختصره تتميز بسهولة الهضم وقلة الدسم وأن أعظم فكرة تعرضت لذلك كان الإسلام.ففي كل مكان تستطيع أن ترى النسخة الشعبية من الإسلام وتبصرها بعينيك إذا تأملت بعض سلوكنا وأساليب تفكيرنا وطرق إصدارنا للأحكام واتخاذنا للقرارات. نسخة بعيدة في كثير من تفاصيلها وفلسفتها عن الإسلام الحضاري فتراها تحمل اسمه ولا تعمل في النفوس والأرض والآفاق عمله. نشأت هذه النسخة وتمكنت من العقول تدريجياً ومنذ فترات طويلة. وتستطيع أن تصف تلك الساعة التي بدأ يتكون فيها الإسلام الشعبي بأنها الساعة التي بدأت فيها عقولنا تعجز عن تقديم إجابات مقنعه لأسئلة الحضارة الكبرى وتفجير مكامن الإبداع الحقيقة في الإسلام لفعل ذلك. واكتفى عقلنا ساعتئذ بتقليص تدريجي للإسلام وتجاهل مالا يستطيع فهمه منه وتحويله إلى قالب صلب ضيق العنق وصرنا نأمر كل شيء بالدخول من خلاله بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى.وأنت تبصر بسهولة إذا صوبت النظر في طريقة التقييم التي يتبعها كثير من الناس مظهراً من أهم مظاهر الإسلام الشعبي فهم يعتمدون الشكلانية والمظهر بشكل أساسي ولا يولون جواهر الأشياء اهتماما كافياً. وعلى الرغم من أن الإسلام دعا إلى الاهتمام بالمظهر والجوهر معاً إلا أنه لم يجعل المظاهر والشكليات ذات قيمة تذكر إذا كان الجوهر معتلا مريضاً. فإن الله لا ينظر إلى الأجسام والصور بل ينظر إلى القلوب. ولا أدل على هذه الشكلانية من ربط التدين والإخبات بهيئة معينه ولباس معين إذا توفرت في المرء كان ملتزماً أو كما هو المصطلح الدارج (مطوع) .وتتجلى هذه الشكلانية في أعلى مراحلها عندما يكتفون من الإسلام بشعارات عامة تسمعها تتردد على الألسنة بدون إدراك حقيقي لأبعادها أو تفصيلها في برامج ومشاريع قابله للتطبيق والتنفيذ وما أكثر المعاني الجميلة التي جنت عليها تلك الشعارات. فشعار "دستورنا القرآن" على سبيل المثال كان عصاً غليظة في أيدي كثير من حكومات الاستبداد والطغيان عبر تاريخنا القديم إلى اليوم تستخدمها لإسكات المطالبين بحكم شوري وديمقراطي.ومن مظاهر (الإسلام الشعبي) إلغاء العقل تماماً أو تهميشه واعتماد النمطية في التفكير وإصدار الأحكام واتخاذ القرارات وجعل استخدام العقل الذي جاء الإسلام لتكريمه خطيئة تستلزم الاستغفار. ومع أن العقل البشري مهما بلغت قدراته سيظل عاجزاً عن اقتحام حجُب الغيب والقطع فيما لا يدركه الحس البشري إلا أن الإسلام جعل النظر والتفكر أصل في الوصول إلى اليقينيات الكبرى وسخر وعَنَّفَ أولئك الذين يتبعون أنماط وقوالب جاهزة موروثة عن الآباء الأولين.كما أن من مظاهر (الإسلام الشعبي) احتكار الصواب وتملك الحقيقة وتحويل الإيمان والكفر إلى سيوف تسل على رقاب المخالفين بطرق لا تخلو أحياناً من نفعيه (براغماتيه). ولقد دفع ذلك إلى ظهور نوع غريب من الكهنوت في الإسلام وهو الدين الذي حارب الكهنوت وانتقد بشده احتكار الكهنة لكلمة الله حيث حُصِر العلم والقدرة على الاستنباط في فئة خاصة من الناس تسمى رجال الدين أو في أبناء منطقة أو طائفة أو نسب. وهذا الكلام لا يعني أننا ندعو إلى أن يتقحم الناس أجمعين حياض الشريعة لغرض الاجتهاد والفتوى بدون تأهيل أو قدره أو أن نقفز على حقيقة اختلاف القدرات الفطرية الذهنية لدى الناس لكننا نركز هنا على أن القرآن لم يكن رسالة للنخبة فقط بل للناس أجمعين وكل من تمكن من أدوات الفهم الصحيح للنص واتبع المنهج العلمي الصحيح في تفسيره صار من أهل العلم به.وكما هو ظاهر بين فإن هذا الفهم الشعبي للإسلام يشكل عقبة كأداء أمام مشاريع النهضة وأولها المشروع الإسلامي الحديث نفسه الذي يعتمد الإسلام العلمي الحضاري كقاعدة عريضة وصلبه للانطلاق والتحرك. وسيبقى نجاح هذه المشاريع رهن بقدرتها على تغيير هذا الفهم الشعبي الذي ساهمت في إيجاده ظروف كثيرة سياسيه واقتصادية وأزمات أبداعية فكريه واستبداله بالفهم الأصلي الصحيح للإسلام والمبنية على أصول علمية مرنه تقبل التجديد والتحديث وتوفر البيئة المناسبة له. إذاً يا ساده الخطوة الأولى التي يجب علينا تنفيذها فوراً هي سحب جميع نسخ (الإسلام الشعبي) من العقول!!.

ليست هناك تعليقات: